لقاء مع العم صالح بن عبداللطيف الحمد النعيم رحمه الله

العم صالح: الملك عبدالعزيز أهدى (والدي) الشيخ عبداللطيف بن حمد جُنيه من الذهب وقلم في زيارته لمدرسة النجاح.

العم صالح: كنتُ أقرأ ما لا يقل عن ثلاث ساعات في اليوم الواحد.

العم صالح: تأثرت بالحضارة الاسلامية العثمانية.

بسم الله الرحمن الرحيم

تطل علينا اليوم شخصية من سلالة علم وعلماء , شخصية تميزت بحب الاطلاع على الكتب الثقافية والاستطلاع في المآثر التاريخية .. فلنستمتع بحوار جميل مفيد مع والدنا العم صالح بن الشيخ عبداللطيف بن الشيخ حمد النعيم متعه الله بالصحة والعافية..

نفتتح المقابلة بتعريف باسمكم الكريم كاملاً , مع ذكر الميلاد ومكانه , والحالة الاجتماعية.

اسمي صالح بن عبداللطيف بن حمد النعيم , ولدت عام 1364هـ في محلّة الأحساء ,متزوج ولدي من الأولاد خمسة أولاد وثلاث بنات.

أنت من بيت علم وعلماء فكيف كانت بدايتك في التعليم؟

بدايةً دخلت عند المطوع واسمه الشيخ ناصر بن عديل وختمت تقريباً عنده القرآن الكريم , ثم التحقت بابتدائية الهفوف الأولى وعمري عشر سنوات , ثم انتقلنا إلى الرياض والتحقت بمدرسة اسمها مدرسة المحمدية المتوسطة , وأكملت الثانوية في مدرسة اليمامة ودخلت قسم علمي بخلاف رغبتي فكانت رغبتي للقسم الأدبي لأني أعشق التاريخ والأدب والشعر وإن كنت غير شاعر ولم أحاول أن أصنع بيت من الشعر فكنت مقتصرًا على الحفظ فقط ,بعد ذلك التحقت بكلية الآداب لإكمال الجامعة وتخصصت اجتماعيات ذلك التخصص الذي أحبه حتى أخذت شهادة البكالوريوس.

ومن الجدير ذكره أنه قدكانت بداية دراستي فيها شيء من المشقة ففي ذلك الحين لم يتوفر الكهرباء فكنت أعتمد على السراج وعلى ما يسمى بـ (التريك) وبعض الأحيان على الشمعة في قراءتي ومذاكرتي كتب الدراسة.

مَن تذكر من زملاء الدراسة بارك الله فيكم ؟

من زملائي يوسف المطوع وعبدالله المقيطيب و عبدالحميد الخرس وعبدالحميد البقشي وكان التنافس شديد فيما بيننا على الترتيب الدراسي الأول والثاني وهكذا… بالرغم من الصداقة التي تجمعنا..

أين كانت وجهتكم العملية بعد التخرج؟

بعد الثانوية توجهت للعمل الوظيفي في وزارة الحج والأوقاف لمدة ثلاث سنوات وبعدها انتظمت في كلية الآداب في الرياض وبعدها توظفت في ديوان الخدمة بالرياض وجلست لمدة ستة شهور لكن حب الأحساء جعلني أرجع إليها وتم توجيهي لتعليم الأحساء ودرّست في مدرسة عمر بن الخطاب وكان من زملائي هناك الشيخ محمد بن عبدالله العمر الملحم الشاعر والأديب رحمه الله , وجلست لمدة أربع سنوات حتى كُلِّفت وكيلا في مدرسة الجفر , ولمّا رأوا مني الجهد و النشاط لم يمر علي عام وإلا ويأتي خطاب يطلب بتكليفي مديراً للمدرسة و استمريت أدير هذه المدرسة لمدة أربع وعشرين عام حتى أحلت للتقاعد , مما انعكس على أهل قرية الجفر بالتقدير لي في ذلك الوقت وحتى هذا اليوم فما زالت اتصالاتهم ودعواتهم مستمرة الى اليوم الحالي ,وقد قدمتُ لهم من الخدمة ما أستطيع ومنها أني أعددتُ خطاب لوزير التخطيط آنذاك الدكتور هشام ناظر الذي زار القرية في ذلك الحين فألقيت الخطاب عليه مما أثار تصفيقهم ولم يمر شهر إلا وحقق مطالبهم من تلك المشاريع إضافةً إلى زيارتهم في منازلهم لحل مشاكلهم ومساعدتهم فكنت كالأب والأخ لهم.

 (قصة التعليم) أيقونة تعتلي موقع إدارة التربية والتعليم بالأحساء الالكتروني , تحوي بدء التعليم النظامي والذي كان مؤسسه جدكم الشيخ حمد بن محمد النعيم فلو حدثتنا عن الشيخ قليلاً؟

جدي الشيخ حمد سبق عصره في العلم حيث يسمونه الرجل العصري فقد تعلم على يد والده وذهب للهند وتعلم كذلك ويقال أنه درس في الكويت , فرجع إلى مجتمع لا يقرأ ولا يكتب غالبه , وكان هذا المجتمع يغلب على أهله السفر للخارج للتجارة وتأتيهم خطابات من المسافرين فكان جدي يجلس على عتبة منزله في النعاثل يقرأ للأهالي خطابات ذويهم وكذلك يرسل ويصدر خطابات إليهم , وكان يجلس مع من حواليه ويقرأ عليهم صحيفة الأهرام فهو المتعلم الوحيد من بينهم إضافة أنه حوى معلومات سبق فيها مجتمعه , فوجد أن الوضع الاجتماعي يحتّم عليه أن يعمل فيه شيء لأهله وجماعته وبلده فبدأ بتعليم البعض في منزله الخاص وكان يعلمهم القراءة والكتابة والخط والحساب على الألواح وكان ممن يعلمهم أبناءه وأقاربه وجيرانه فكثر العدد وتخرج على يديه عدد من الطلاب فضاق المكان فقام أحد تجار أسرة القصيبي واسمه عبدالله القصيبي بالتبرع بمنزله كمدرسة وأسموها مدرسة النجاح فكل من يتخرج من الطلاب منها كان يعينه مدرسا فيها وقامت بتخريج الطلاب حتى أن المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز قام بزيارة هذه المدرسة وقام بإهداء والدي الشيخ عبداللطيف جنيه وقلم , وقام كذلك بتوزيع الجوائز على الطلاب وأُلقيَت الكلمات والخطب أمامه.

حتى أن المدرسة بعد ذلك لم تستطع أن تستوعب الطلاب فتم إغلاقها حتى أرسلوا خطاب للملك عبدالعزيز فأرسل الملك عبدالعزيز رجل اسمه محمد النحاس للاطلاع في الأمر وعمل لقاءات مع كبار المجتمع وعمل بعض البيانات وتم بعد ذلك افتتاحها من جديد في عام 1352هـ ..

ننتقل إلى والدكم العم عبداللطيف رحمه الله عميد الأسرة سابقا نريد كذلك أن نحتفي بشيء من سيرته.

رحم الله ولدي فكان واسع الثقافة.. نهمَ القراءة.. يحفظ من العلوم والأدب والشعر ويعمل المساجلات الشعرية مع زملائه , ويحفظ من المتون العلمية الكثير كمتن الزبد في الفقه الشافعي لابن رسلان ومتن الرحبية في علم الفرائض , واشترى موسوعة سلطان وقرأها كاملةً وكان ذلك في آخر حياته , ويتابع الأخبار بشدة رحمه الله رحمة واسعة..

 لو ذكرت لنا شيء من محفوظاتك الشعرية.

أنا أحب الرجل العظيم الإمام الشافعي وأحفظ الكثير من أشعاره لأني أجد فيها الحكمة والموعظة مع الإيجاز وروعة الجمال مثل قوله:

إن لله رجالًا فـطنا… طلقوا الدنيا وخافـوا الفتنا

نظــروا فيهـا فلما علموا…أنها ليـست للـحي وطنا

جــعلوها لجــة واتخذوا…صالح الأعمـال فيها سفنا

ومثل قوله:

سلام على الدنيا اذا لم يكن بها…صديق صدوق صادقا لوعد منصفا

اذا المرء لا يرعاك إلا تكلفا …فدعه ولا تكثر عليه التأسفا

ففي الناس أبدال وفي الترك راحة…وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا

فلا كل من تهواه يهواك قلبه… ولا كل من صافيته لك قد صفا

و أنا أكرر دائماً :

تغرب عن الأوطان تكتسب العلا ….. وسافر ففي الأسفار خمس فوائد

تفريــج هـمٍّ واكتساب معيـشـــة …….. وعــلم وآداب وصـحبـة مــاجـــد

فان قـيــل في الأسفار ذل وشـدة ……… وقطع الفيافي وارتكاب الشـدائـد

فمـوت الفتى خير له من حياتـه…………بـدار هــوان بـيـن واش وحاسـد

 من خلال ما ذكرت من الأبيات الشعرية السابقة تبين لنا أن العم صالح يحب السفر.

صحيح..بحكم أني أحب التاريخ القديم والحديث وهو مجال تخصصي الدراسي الجامعي فالسفر بلا شك كان داعم لهذه الهواية فكان أول سفر لي منذ خمسٍ وأربعين سنة حينها لم يكن أحد يسافر إلا القليل وكانت إلى القاهرة في عام 1388 هـ تقريباً بعد وفاة جمال عبدالناصر ورأيت من معالمها وآثارها الكثيرة كالمتحف الفرعوني والمتحف الزراعي ومسجد محمد علي ومسجد السيدة عائشة و مسجد السيدة نفيسة ومسجد السيدة زينب ومسجد الحسين والأزهر الشريف ومن حماسي لهوايتي كنت أذهب لوحدي إلى تلك الأماكن في ذلك الوقت ,وكذلك سافرت إلى تركيا وأحببت معالمها ومتاحفها وكنت أتأثر إذا دخلت آيا صوفيا ومسجد السلطان أحمد وأأسف على تلك الحضارات الإسلاميةالتي اندثرت , كذلك سافرت إلى اليونان ورأيت الحضارات الاغريقية اليونانية مثل معبد الاكروبولس وهو من أعجب المعابد. وذهبت إلى لندن ودخلت قصورها من أيام الرومان وكذلك إلى اسكتلنداوإيطاليا ومدريد وتونس والمغرب والعراق ولم أدخل بغداد فلقد زرت البصرة فقط.وأغلب الرحلات الأخيرة كانت مع الاسرة.

هل لديك هوايات أخرى تختلف عمّا ذكِر؟

نعم..فلدي هواية مختلفة نوعًا ما ومنها الاستماع للراديو منذ أن كان عمري أربعة عشر عامًا وفي ذلك الوقت لم تكن المحطات الإذاعية كثيرة بل كانت قليلة مثل: قناة صوت العرب وصوت القاهرة ومحطة بغداد والبي بي سي (لندن), وبلغ من أمري أن أشتري الراديو الذي يجلب أكثر المحطات وأهتم بالموجة التي تسمى الموجة القصيرة حيث أنها تلم بأخبار العالم كله وقد كانت تصلني من تلك المحطات مجلات على الصندوق البريدي..

ومن الهوايات التي كانت وما زالت مستمرة معي هي هواية القراءة فكنت أقرأ ما لا يقل عن ثلاث ساعات في اليوم الواحد وكما ذكرت لك أن القراءة هواية لازمتني منذ الصغر..

حدّثنا عن اهتماماتك الثقافية والأدبية.

كما ذكرت لك فأنا أهوى القراءة وكنت أتردد على المكتبات الداخلية والخارجية فمثلا زرت المكتبة الأوزبكية في القاهرة وعثرت على مجلة من أقدم المجلات في مصر وهي أول مجلة في مصر وما زلت أحتفظ بها ولها أكثر من خمسين سنة مع العلم أني لما ذهبت لمصر وزرت دار الكتب المصرية لم أجدها فشعرت أني أحوي شيء نادر والمجلة صدرت في عهد الملك فاروق قبل الثورة المصرية واسمها مجلة (البعكوكة) وهي مجلة هزلية المحتوى ..

هل من شخصية تاريخية تنال إعجابك؟

نعم وهي شخصية عبدالرحمن الداخل (صقر قريش) هذا الرجل الوحيد الذي بعد ما سقطت الدولة الأموية وانتهت يخرج لوحده ويقطع الفيافي والقفار ليصل إلى الأندلس ليعمل دولة بمساعدة أخواله من البربر ويجعل من قرطبة عاصمة لها , ومن الجميل لما تذكر غربته عندما رأى النخلة فقال:

تبدّت لناوسط الرصافة نخلة ,, تناءت بأرض الغرب عن بلد النخل

فقلت شبيهتي فيالتفرد والنوى ,, وطول التنائي عن بني وعن أهلي

نشأتِ بأرض أنت فيها غريبة ,, فمثلك في الإقصاء والمنتأى مثلي

سقتك غوادي المزن من صوبهاالذي ,, يسح ويستمري السماكين بالوبل

 كعادتنا في الختام نتطلع إلى نصيحة تسدى إلى أبناء الأسرة , فما هي نصيحتكم أطال الله بقاءكم في صحة وعافية.

قبل أن أختم بنصيحة أود أن أقول أني أفتخر بأسرتي أسرة آل نعيم وأحفظ لها من الود والحب الشيء الكثير و والدي كذلك فقبل وفاته أوصى على الأسرة ومن جملة وصيته أن أوقف لها وقف برًّا بها..

أما النصيحة لأبناء أسرتي فهي أن يتوجهوا للقراءة والاطلاع وخاصة من أمهات الكتب أما القراءة التكنولوجية فقد لا تسعف العقل كما تسعفه الكتب الورقية وكلي دعاء لهم بالتوفيق للعلم والعمل الصالح..

بارك الله فيكم وفيما يحويه صدركم المليء الذي أفاض علينا وسيفيض على القرّاء بلا شك المتعة والفائدة..

أعد المقابلة وكتبها: عبدالله بن أحمد الحسين النعيم

بعدسة : عزام بن أحمد الحمد النعيم

أجريت المقابلة مغرب الثلاثاء الموافق 9 / 11 / 1434هـ

Shopping Cart
Scroll to Top