حياته و نشأته:
ولد رحمه الله في عام 1288هـ وعاش حياته في الأحساء منذ نعومة أظفاره حيث نشأ وبدأ تعليمه فيها على أيدي علمائها ومنها انطلق لطلب العلم في عدة بلدان إلى حين استقراره في الأحساء مرة أخرى حتى أطلق عليه الناس في وقته (الرجل العصري)، وكان – يرحمه الله – يحب القراءة والاطلاع وكانت جريدة (الأهرام) المصرية تصل إليه لاشتراكه بها وإذا وصلت تجمع أفراد الأسرة وأصدقاؤها حوله وكان يقرأ عليهم ما جاء فيها . ومن علامات ثقافة الشيخ حمد النعيم انه كان يتحدث عن علوم واكتشافات علمية فيتعجب الجميع ويستغرب الكثير مما يرويه من مخترعات لم تشاهد بعد وكان معروفا بفصاحته و براعته في إدارة الحديث مع مُحثه و ذلك بأسلوبه السهل.
بداية مدرسة النجاح:
مشهد يتكرر كل صبح إذ يجتمع بعض من النساء و الشباب و الشيوخ ينتظرون وصول الشيخ الجليل حمد النعيم وذلك بعد أدائه صلاة الفجر بالجامع الكبير وكل منهم يحمل بيده رسالة من ذويه الذين يعملون بالغوص لاستخراج اللؤلؤ في الخليج العربي هذه المهنة التي كانت عامة هي والزراعة في ذلك الزمان والكل وقف ليعرف ماذا تحمل هذه الرسائل من أخبار الباحثين عن الرزق والمغتربين عن الأهل ورغم أن صحة الشيخ لم تصمد أمام المجهوداليومي الكبير والذي يبذله على أن حرصه كان كبيرا على لقاء هؤلاء البسطاء غير القادرين على القراءة وفتح بيته العامر لكل هؤلاء بكل الحب والمودة كان يرى الحسرة في وجوه أولئك الناس حين يقرأ لهم من مرارة الأمية وكيف ينظرون إلى الشيخ وهو يفك لهم طلاسم هذه الرسائل ، وهنا لمعت في ذهن الشيخ فكرة تبعتها أفكار وأفكار تتطلبها مواكبة العصر وهنا كان لا بد من التعليم ، فهو المثقف الذي تعلم في مدارس البحرين عندما انتقل والداه إليها طلبا للرزق ثم أكمل تعليمه بالكويت والهند .
نواة المدارس بالمنطقة:
أدرك الشيخ عظم المسؤولية ووقتئذ قرر أن يكون بيته نواة للمدرسة التي تعني بالتعليم في منطقة الأحساء أو في المنطقة بأسرها واحتضن عدد كبيرا من التلاميذ من أبناء جيرته وبدأ مشوار تعليم القراءة والكتابة إلى جانب علوم الدين والنحو والتجويد ولم يكتفي الشيخ بذلك بل تحمل جميع تكاليف تعليم التلاميذ من كتب وأدوات قرطاسية وغيرها وأصبحت هذه المدرسة المتواضعة التي أطلق عليها الشيخ اسم مدرسة النجاح هي قصد المتعطشين إلىالمعرفة ومنهل الرواد.
طموح وعقبات:
وجد الشيخ حمد في بداية عام 1343هـ أن عدد الطلاب في تزايد مستمر وأن منزله ومدرسته لا تستوعب هذا العدد الكبير من أبناء المنطقة الشرقية الذين بدأوا يتوافدون عليه لتلقي العلم عندئذ قويت لديه طموحات فكرة كانت تراوده كثيرا وهي إنشاء مدرسة ليعلم فيها العلوم الحديثة ودراسة أصول الدين وقواعد الحساب ومسك الدفاتر أو على الأقل أن تكون مؤسسة تعليمية متكاملة مهما كانت بنيتها وأن تضم بين أروقتها أرقى مستوى من المدرسينالمحليين ولكن الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن فقد واجهت الشيخ حمد مشكلة توفير المال اللازم لمشروع جبار مثل هذا حيث يحتاج إلى تجهيزات مختلفة وأجور معلمين وكتب وغيره وسط هذه الآمال والطموحات التي صادفتها عقبة المال فقد كان يعز على الشيخ حمد أن تغلق أبواب مدرسته، لكن ذلك حدث وكان وقعه عليه شديد وتسبب هذا الحزن في زيادة أعراض مرضه حيث كان يشكوا من مرض الكلى ولكن كل هذا لم يثنه عن التفكير في مخرجوعلى الاجتماع بأولياء أمور الطلبة والبحث المضني لمساعدة أغلب تلاميذه الذين هم من الفقراء والمساكين وذوي الحاجة إلى أن وجد ضالته عند صديقه الوجيه المعروف الشيخ عبدالله القصيبي وإخوانه عبدالرحمن وعبدالعزيز أبناء حسن القصيبي والشيخ محمد الجندان أحد وجهاء الأحساء والمتحمسين لنشر العلم وهكذا اتفق معهم ومدوه بالمال ووفروا له كل الإمكانيات وتم تجهيز منزله ليكون مدرسة وتبرع للطلبة بما يحتاجون إليه من لوازم مدرسية وهبات مالية للمتفوقين ، وبالفعل باشرت المدرسة فتح أبوابها في نهاية عام 1348هـ في محلة غرب إحدى حارات الهفوف بحي النعاثل أحد أحياء الهفوف وهو الحي الذي كان يسكنه الشيخ مع كافة أسرته آل النعيم في ذلك الوقت..
ومع الأيام وصل عدد تلاميذ المدرسة إلى أكثر من 400 طالب واكتمل الشكل التعليمي واستقرت العملية التعليمية في المدرسة إلى أن توقفت في علم 1351هـ إذ في تلك السنة ألم به مرض فانقطع عن التدريس.
الملك عبدالعزيز يزور المدرسة:
وفي رمضان من عام 1348هـ بحسب ما ورد في جريدة أم القرى عدد 275 وتاريخ 14 شوال عام 1348هـ قام جلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بزيارة ميمونة لهذه المدرسة حينما كان جلالته آنذاك في جولة تفقدية في مقاطعة الأحساء – وأقيم حفل كبير ألقى فيه الشيخ حمد مدير المدرسة كلمة ضافية عن تطور المدرسة وبعده ألقى ابنه الطالب عبداللطيف بن حمد النعيم قصيدة شعرية بمناسبة مقدم الملك الميمون ثم تلا الطالب خليفة بن عبداللهالملحم كلمة نيابة عن الطلبة وأبدى جلالته ارتياحه للمستوى الطيب الذي بلغه طلابها وأهداهم جوائز قيمة. واستمرت المدرسة في تأدية رسالتها وأصبحت مثلا يحتذى به في نشر العلم والمعرفة، وفي سباق مع العلم يرفض الشيخ الركون إلى الراحة مصرا على أن يؤدي عمله كالمعتاد بالتدريس رغم نصائح الأطباء له ليأخذ قسطا من الراحة حتى اشتد عليه المرض وفاضت روحه في ذلك اليوم من شهر ذي الحجة من عام 1353هـ .
يوم مشهود:
كان يوما مشهودا لم ترى الأحساء مثله من قبل وهي تودع المعلم والمربي الكبير الذي أهدر شبابه في وضع اللبنة الأولى للتعليم الحديث في منطقة الأحساء وقد شيعه محبيه وتلاميذه إلى مثواه الأخير قبل أن يرى اكتمال مشروعه الحضاري، وقد تواصل واتسع وبموت الشيخ حمد انفرط عقد مدرسة النجاح فأغلقت أبوابها وحلت في الأحساء فترة ركود علمي دامت أكثر من خمس سنوات حتى عام 1356هـ عندما كتب الأهالي إلى جلالة الملك عبدالعزيز رحمه الله يطلبون فتح مدرسة ، وعلى الفور كانت الاستجابة السامية وحقق جلالته للأحساء حلمها القديم وقامت الجهات المختصة بإيفاد الأستاذ حمد بن علي النحاس مصري الجنسية ليقوم بافتتاح أول مدرسة حكومية وعند وصوله قابل العديد من الوجهاء وعلماء الأحساء وعرض عليهم المناهج التعليمية وشرح لهم الغرض الذي من أجله جاء إلى الأحساء وأطلق على المدرسة اسم الحميدية وكان تلاميذ مدرسة الشيخ حمد النعيم خير نواة لها وبعدها بدأت الدولة في تأسيس مدارس أخرى على غرارها في كل من الهفوف والدمام وفي السنة التالية افتتحت مدرستا الجبيل والمبرز ومن ثم انطلقت المسيرة لمحو الأمية والجهل حتى رأينا ونرى اليوم هذه النهضة التعليميةالشاملة والتي نفخر بها والتي لا نشك أنها دفعت عجلة التقدم في المملكة خطوات هائلة إلى الأمام.
للاستزادة ارجع إلى:
• صحيفة اليوم السعودية عدد 9152 تاريخ 12 من ربيع أول لعام 1419.
• كانت أشبه بالجامعة (قصة التعليم في مقاطعة الأحساء في عهد الملك عبدالعزيز) , تأليف الدكتور محمد بن عبداللطيف الملحم.
• شخصيات رائدة من بلادي , تأليف : معاذ بن عبدالله المبارك.