الكاتب د.مشاري النعيم
قيادة المرأة للسيارة.. حكاية متى تنتهي؟
صرنا نضع علامات زمنية من أجل التعبير عن الحركات الاجتماعية في بلادنا فيوم 26 أكتوبر الجاري نحن على موعد مع النساء ليعبرن عن رغبتهن في قيادة السيارات، والحقيقة أنني لا أعلم لماذا نقف كثيرا أمام كل حركة اجتماعية تصحيحية ونحاول أن نضع العراقيل أمامها، ففي نهاية الأمر سوف تقود النساء السيارات وحركة التغيير الاجتماعية التي تجتاح بلادنا لن يستطيع أن يقف في وجهها أحد لأنها حركة طبيعية وعقارب الساعة لن تعود إلى الوراء مهما حاول البعض. فقد حاول هؤلاء في السابق وحاربوا التلفزيون ولم يفلحوا وضربوا الصحون الفضائية بالبنادق ولم يتوقف أحد عن استقبال القنوات الفضائية بل انني صرت أسمع حكايات مضحكة حول معارضي هذه القنوات في الماضي فهم اليوم في حرج من أن يعلم الناس أنهم يستقبلون هذه القنوات في بيوتهم، فصاروا يضعون صحون الاستقبال بالخفية بل ان بعضهم صار يضعها في بيت الجيران حتى لا يتهمه أحد بالردة. من الواضح أن البعض ينطلق من قناعات وهو مستمر على هذه القناعات، ونقدر له مواقفه، لكن الغالبية العظمى هم مجرد “إمعات” يحرمون ويحللون حسب المناخ السائد وحسب مصالهم الشخصية ولا مانع أن تتبدل آراؤهم بعد حين إذا ما تغير المناخ وتبدلت الحال.
لقد أمضيت أيام العيد ولا حديث للمجالس إلا قيادة المرأة للسيارة وموقف مجلس الشورى ورئيسه الذي يرى أن مناقشة هذا الأمر هو تضييع لوقت مجلس الشورى، والحقيقية أنني أرى أن وقت مجلس الشورى كله ضائع أصلا لأن مستوى الحوار وطرح القضايا بعيد جدا عن المشاكل الأساسية التي تعاني منها بلادنا، لذلك فأنا شخصيا لم أستغرب موقف رئيس مجلس الشورى ولم أتوقف عنده كثيرا، لأني أصلا لا أتابع ما يطرحه المجلس فهو غير مؤثر ولا يستطيع أن يحدث أي تغيير حقيقي. حديث المجالس كان منقسما على نفسه، وهو انقسام طبيعي فهناك المؤيد وهناك المعارض وكان موقف المعارضين هو أن المجتمع السعودي وبالأخص الشباب غير جاهز لمثل هذا التحول وبعض هؤلاء المعارضين صار يتحدث عن الذئاب البشرية وعن ضعف المرأة وكأننا في غابة أو في بلد ليس فيها قانون ولا نظام ولا سلطة تنفيذية. قلت لهم انني طوال حياتي وأنا أرى الشباب السعودي يسافر إلى جميع أنحاء العالم ولم أسمع بحوادث تحرش قام بها هؤلاء الشباب فلماذا يتركون كل بنات العالم ويتحرشون ببنات بلدهم، هذه حجة واهية وأنا على يقين أننا سوف نندهش من أن شبابنا أكثر أدبا مما يتخيلون وأنه حتى لو حدثت بعض الحوادث سوف تكون محدودة في البداية وبعد ذلك سوف تختفي. وذكرتهم ببداية التصوير بجهاز الجوال وكيف أنهم صوروا الوضع على أنه “انهيار أخلاقي” واجتماعي وأن عورتنا سوف تنشر على الشبكة العنكبوتية فهل نسمع الآن أحدا يتحدث عن التصوير أو أحدا يهتم به.
كل ممنوع مرغوب، هذا ما نسمعه دائما، فعندما تمنع التصوير يصبح له قيمة وعندما تمنع قيادة المرأة للسيارة تصبح لها قيمة فالمجتمعات لديها القدرة على “تضخيم” الظواهر العادية وجعلها محط الاهتمام فتحظى بتركيز العامة فتصبح ظواهر كبيرة ومهمة لكن عندما يهمل المجتمع هذه الظواهر أو يعتبرها جزءا من الحياة اليومية تتراجع قيمتها وتفقد تركيزها وأهميتها وتأخذ وضعها الحقيقي. ما أود التأكيد عليه هو أن المجتمع هو الذي يصنع “بؤر” التركيز وإشكالية قيادة المرأة لدينا أصبحت أهم هذه البؤر التي تستهلك فكرنا وطاقتنا وصارت تعقد لها الندوات وتحدد لها المناسبات التي ستعبر فيها المرأة عن رأيها وستخرج للشارع، وصارت مقاطع “اليوتيوب” التي تصور نساءنا وهن يقدن السيارات في شوارع الرياض وجدة والدمام وباقي مناطق المملكة الأكثر مشاهدة، وكأن الأمر عظيم وخطير، وباقي العالم يتفرج علينا مبتسما ويقول “اين الموضوع”؟ “ما هي المشكلة”؟ جميع المجتمعات تجاوزت هذه القضية منذ عقود ونحن مازلنا نلت ونعجن فيها حتى راحت “خميرتها”.
المشكلة هي أن المعارضين لقيادة المرأة لا يعرفون على وجه الدقة لماذا هم يعارضون هذا الأمر ويبدو أنهم يقولون لأنفسهم “لقد وجدنا آباءنا وأجدادنا على ذلك وإنا على آثارهم ماضون” وأعتقد أنهم يرفضون التغيير لمجرد الخوف من التغيير. لقد قلت لهم ان حركة التغيير في المجتمعات لا تتوقف ولا يستطيع أحد أن يوقفها و “إن الله غالب على أمره” ومهما حاولتم فسيحدث ما لا ترغبون فيه سواء هذا العام أو بعد أعوام.
ذكرتهم بمقال كتبته قبل حوالي ثماني سنوات في هذه الصحيفة حول قيادة المرأة للسيارات (العدد 13494، 27 ربيع الآخر 1426ه)، وتناولت أهمية أن تحظى المرأة بنفس التجارب التي يحظى بها الرجل، وإلا كيف يمكن أن نعتمد عليها في بناء اقتصادنا الوطني، وقيادة السيارة هي جزء من “التجارب” المهمة أو ما نسميه Exposure أي مدى تعرض الإنسان لتجارب الحياة ومن الضروري أن يكون للمرأة خبراتها الشخصية التي تؤهلها لمواجهة ظروف الحياة. لذلك عندما تصل نسبة البطالة بين النساء إلى 90% من نسبة العاطلين عن العمل في المملكة فهذا أمر طبيعي، لأننا نحارب “تجارب المرأة” ونقلل من قدرتها على الحركة ونقيدها ونطلب منها أن تكون أمّاً صالحة وزوجة مطيعة وشريكة في نفقات الحياة. أعتقد أننا نحتاج نساء “سوبر” حتى تتلاءم مع مواصفاتنا وطلباتنا. ما أعتقده هو أننا أمام معضلة كبيرة ليس لها حل إلا من خلال استمرار الضغط الاجتماعي فالقرار سينشأ من هذا الضغط والإرادة الاجتماعية سوف تتغلب على ما سواها لأنها هي الإرادة الحقيقية التي تعبر عن حاجة الناس وتطلعاتهم لا مجرد رغبات ووساوس البعض.