مبروك..وعقبال الولد

عبدالله بن أحمد الحسين النعيم

لم أدرك أني أعيش وسط مجتمع ذكوري يقدِّس الذكور أيّما تقديس إلا بعد أن رزقت بابنتي البكر ريناد , حتى زُرِعتْ في نفسي هذه القداسة الذكورية بعدما كانت فطرتي سليمة فمنذ صغري وأنا أتمنى أن أرزق بالبنات بعدما أتزوج وأكبر , لكن بعد مجيء ريناد استطاع مجتمعي أن يقحمني معهم في بقايا الجاهلية التي كانت تئد البنت حيةً بالتراب وجاء الإسلام وغير هذا المعنى وأعز شأن المرأة وأعلا من قدرها , لكني في هذه الأيام وللأسف أرى مجتمعًا مسلمًا يئد البنت في قيمتها وقيمة مجيئها لهذه الدنيا , فَلَكَ أن تتخيل أن أول المباركات التي وصلتني بعد ولادة ريناد كانت كالآتي: مبروك وعقبال الولد.. مبروك أجل صرت أبو البنات.. !!! مبروك وفالك فال فلان عنده ولدين.. مبروك وعقبال الخامسة (تتبعها ضحكة ساخرة هاهاهاها).. 

من هذه المباركات أقمعْ المجتمع الأنثى بل و وأدها في نظري فشعرتُ أني لم أنجب , أو بمعنى آخر أنجبتُ شيئًا زائداً على الدنيا ليس له أي أهمية وقدر لحضوره , بل وحتى العاقل المتعلم من بعض مجتمعي كان يبارك لي بمباركة ظاهرها التهنئة وباطنها المواساة : مبروك..يالله, الحمدلله البنت رزق على فكرة , مبروك واسمعْ ترى من رعى ابنتين كانت له الجنة..ووو إلخ

فأصبحتُ أتطّلع إلى هذا المجتمع فوجدته فعلاً يعظم إنجاب الذكور وتكون المباركات للمولود الذكر ساخنة التهاني , صادقة الفرح , والنفوس مبتهجة منتعشة..

أنا وأمثالي المُبَنِّـتين زيجاتُنا مساكين.. يتكالبُ عليهم الهم مرتين همّ مجتمعهم وهمّ زوجهم وكأنهن هم الآتي يحددن استقبال الواي من الإكس في أرحامهن , فأصبحت الزوجة تبحث عن الأعشاب والخزعبلات التي تستجلب الحيوان المنوي الذكوري وأصبح الزوج يعيش ما عايَشه الرجل الجاهلي الذي إذا بشر بالأنثى ظل وجههُ مسودًّا وهو كظيم , وفي نظري كل هذا يرجع إلى مجتمع لا يرى للأنثى أي مكان بينه , بل يرى أن اسم البنت عار أن يذكر أمام الملأ في حين أن أشرف النساء وأطهرهن زوجات رسول الله تعلن أسماؤهم على المنابر وتذكر في الدروس والسير..

نعم , أكون ظالمًا إن عمَمّت هذا الطغيان على الأنثى في مجتمعي والتعميم في أي شيء جهل لكن بكل صراحة تصغير قدْر الأنثى هو ثقافةٌ في مجتمعي..

اليوم في مجتمعي إنجاب الولد هو الإنجاب الحقيقي أمّا من ينجب الأنثى يُفْرح له فرحًا محدوداً بحدود لا يتعدّى بأنه أصبح أب ولم يكن عقيما..

لقد منّ الله علي بتلاشي هذا الفكر الجاهلي المعدي من هذا المجتمع وإنّي الآن أبٌ لثلاث أزهار ريناد وميْس وفجر وأفخر بذكر أسمائهم على أوراقي وفي منتدياتي وفي تواصلي الاجتماعي بل جعلتُ من اسم ريناد كنيةً لشخصي أذَّيل بهذه الكنية خواطري ومقالاتي وأجعلها ختْمًا مثبَتًا على مواثيقي وعقودي..

كلي أمل من مجتمع مسلم يؤمن برسالة محمد عليه الصلاة والسلام أن يصحح من مفاهيمه نحو هذا الكائن الوردي الرقيق الشفاف ويتطلّع إلى ما ذكر من تعظيم الأنثى وإعلاء شأنها منذ ولادتها طفلةً وحتى شيخوختها أمَّا…

الأحساء أون لاين

Shopping Cart
Scroll to Top