نخوة العرب القطرية و العميد

الكاتب أ.عبدالله النعيم

نخوة العرب القطرية و العميد


دولة قطر الشقيقة فاتنة , تُعلّق زائريها بها وكوني أقطن في محافظة الأحساء المجاورة لها ولشغفي بها أرضًا وحكومةً وشعبا فإني أتردد لها ما بين الفينة والأخرى..
مقدمة بسيطة أدخل بها إلى ما أرنو به في مقالي هذا الذي أسطره وكلي دهشة لحكايتي التي حصلت لي فأوثقتْ عُرى الحب بيني وبين قطر
 فقبل أيام سافرت إلى هذه الدولة الحبيبة وقُرْبَ دخولي للدوحة تعطّلت سيارتي فأصاب زوجتي توتراً جعلني أطمئنُها بأننا في قطر مأوى رجال النخوة والتعاون والأمر بسيط بإذن الله , ما لبثتُ دقائق إلا وأتتني سيارةً تحملُ اسماً على مسمّى وهي سيارة (الفزعة) تلتها سيارة أخرى لتقف في عوني بعد الله , فأصبحتا سيارتين من سيارات الفزعة حتى سهّلوا أمري , ولما توقعت أن الأمر قد انتهى وانصرفوا رجال الفزعة اتضح لي أن سيارتي لم تصلح بعد , ولم ألبث دقائق معدودة وأنا في حالة من الاضطراب إلا وتأتي سيارة القوات المسلحة القطرية لتقف عندي يقودها أحد الضباط والذي لم أتطلع لرتبته وكنت أظنه يحمل رتبة بسيطة لأنه يقود السيارة بنفسه دون مرافقٍ له , وأخذ يتعرّف على مشكلتي وفي أثناء حديثه توقفتْ بجانبنا سيارة مدنية يقودها أحد العساكر ولما توقف أمام الضابط أدّى تحيته العسكرية للضابط ودكّ الأرض بقدمه دكةًّ جعلتني أحدق بعيني إلى رتبة ذلك الضابط التي تعتلي منكبه فإذا هي رتبةٌ متوجةٌ بتاجٍ تلحقه ثلاثة نجوم عددْتها عدّاً جعلتني أسترجع حديثي الذي كان معه , المهم في ذلك أن الضابط هو عميد في القوات المسلحة وأشرّف مقالي بتضمين اسمه الكريم فهو سعادة العميد سالم بن حمد النابت من قبيلة آل مُرّة الكرام , أخذ العميد يتحدث للعسكري في شأني وعلمت أنه يرتب لي أمري وطلب مني العميد الركوب وأسرتي مع العسكري فاستجبتُ لأمره دون معرفتي لما سيكون , فلما ركبنا مع العسكري تعرفتُ عليه وإذا هو بنفس اسم العميد ونفس القبيلة فهو سالم المري , وطلبت منه أن يخبرني ما الأمر الذي حدّثهُ به سعادة العميد فقال: الآن سأذهب بكم إلى منزل العميد فهو يدعوكم لتناول وجبة الغداء وسيارتك ستكون عند أحد الورش لإصلاحها , عندها أنا وزوجتي شعرنا بحرج شديد لم نستطع التّفلتَ منه , ولم نصل إلى بيت العميد إلا والعميد نفسه ينتظرنا عند الباب فحيّا بي وبأهلي وكلنا حرج شديد شديد , ولما دخلتُ مجلسه العامر عرَّفني بضيفيه الكريمين الشيخ القاضي حمد المري والشيخ عبدالرحمن الخلف من دولة البحرين الشقيقة , ومن ثم فرش لنا مائدته الطيبة السخية , وبعد الغداء طلب مني مفتاح سيارتي لأعطيه ابنه الشاب الخلوق حمد -ابن ابيه- الكريم ابن الكريم, فطلبتُ من حمد مرافقته للذهاب معه في شأن اصلاح السيارة فقالوا أنت ضيفنا وستستريح حتى تكون السيارة جاهزة عندك , وكلي تعجب في تعجب أي كرمٍ هذا وأي نخوةٍ هذه؟! ولبثتُ في بيت الكريم أبي حمد أنا وأهلي ما يزيد على الثلاث ساعات دون أن يشعرونا بكلل منهم أو ملل حتى جهزت السيارة وأتى بها حمد فقبل أن أنطق بالشكر له تقدّم هو بالاعتذار لي عن التأخير… آه يا قلبي!! – بعض الإحسان عندما يرتفع معياره يتعب المحسن إليه في صعوبة رد الجميل – , ولم يكتفِ بيت العميد الكرام بذلك الكرم بل كانت الفاجعة المحرجة أنهم رفضوا وبشدة أخذ قيمة إصلاح السيارة والتي كلّفتْ ثمنًا باهضاً , ومع هذا أخذوا يكررون عليّ بأنه الواجب , وفي نفسي أقول أي واجب هذا إنهم قاموا بالواجب وزيادة و زيادة بل طلبوا مني البقاء لتناول وجبة العشاء!!
ولم يزل حديث الختام الذي قاله لي العميد يتردد على مسمعي : نحن شعب واحد وأبناء بلدٍ واحد وهذا من رد الجميل عليّ للمملكة العربية السعودية فأنا مدين لها لتعلمي بها ودراستي على أرضها..
وعندما ركبت زوجتي السيارة لاستكمال رحلتنا بَدأتْ حديثها بفمٍ يملأهُ العجب في كرم أهل العميد (أم حمد حفظها الله وابنته الكريمة) وحُسْن استقبالهم لها واحتفائهم بها احتفاءً أشعرها بأنها بين ظهرانيِّ أهلها..
ما ينازل عجبي أن سعادة العميد لا يعرفني البتّة ولم أكن مستوصى له من أحدٍ يعرفه, ولا يريد مني جزاءً أو شكورا بل هو أعلى مني مالا ومنصبا وقدرا فما الذي يرتجيه مني إلا الله والشهامة المتأصلة في ذاته والوفاء النبيل والأخوة الخليجية..
والله لا أخفيكم وحتى هذا اليوم أنّي وزوجتي أصابنا الهذيان في هذه الأسرة الكريمة فلا نبرح في اجتماع أحباب أو لقاء أصحاب إلا وحدثناهم عن هذه الأسرة السخيّة ونخوة العرب القطرية.
 


عبدالله بن أحمد الحسين النعيم-الأحساء

المصدر صحيفة الأحساء نيوز

Shopping Cart
Scroll to Top