نمذجة معلومات البناء

الكاتب : د.بندر النعيم



نمذجة معلومات البناء


نمذجة معلومات البناء إن الأسلوب التقليدي المتبع لعرض وتنفيذ أي مشروع عادة ما يكون من خلال معلومات يعبِّر عنها بمجموعة من اللوحات الورقية والجداول المعدة يدوياً. وفي بداية العقد الثامن من القرن المنصرم، بدأ المعماريون باستخدام تقنية كاد التي تعتمد على الحواسب الشخصية لإعداد الرسومات الهندسية. وحتى بظهور تقنية الكاد فإن أسلوب التواصل بين أطراف عمليات التصميم والتنفيذ لم يتغير مطلقاً، على الرغم من تزايد تعقيد بيانات ومكونات المبنى، إذ استُبْدلت الوسيلة الورقية بأخرى رقمية فقط. وأصبحت ملفات مثل الرسومات الرقمية تتداول بشكل واسع بين المعماريين عوضاً عن اللوحات الورقية مستغلين تقنية الطبقات التي صاحبت تقنية الكاد. ومع بداية التسعينيات ظهرت تقنية الكائنات الهندسية. ومضمون هذه التقنية هو إمكانية خزن بيانات لا رسومية (أسعار، كميات، الشركة المصنعة المادة، الأبعاد…الخ) في الكائنات الرسومية (مثل الخط، الجدار، النافذة). الأمر الذي جعل عملية استخلاص الجداول وإيجاد قاعدة البيانات وإدارتها ممكنة طوال فترة عملية التصميم التي كانت نقطة الشروع لنمذجة معلومات البناء (Building Information Modeling). يمكن تعريف نمذجة معلومات البناء (BIM) بأنه أسلوب رقمي جديد للتصميم والتنفيذ والإدارة حيث تُطرح إمكانية تبادل المعلومات بين المساهمين في أي مشروع من خلال خزن كل المعلومات في قاعدة بيانات خاصة بالمشروع يمكن استعراضها في أي وقت وبسرعة كبيرة. وبتفصيل أكثر، فإنه يتم التعامل مع عناصر المبنى على أنها كائنات رقمية موصفة تمثل مكونات المبنى الحقيقية التي تتيح لكافة العاملين في قطاع البناء والتشييد من عملاء وملاك ومهندسين ومقاولين الحصول على نموذج ثلاثي الأبعاد بتفاصيل دقيقة للمبنى. نمذجة معلومات البناء ليس فقط نسخة ثلاثية الأبعاد من رسومات ثنائية الأبعاد بل يمثل محاكاة رقمية للمبنى خلال وبعد مرحلة التنفيذ بجميع مكوناته المعمارية، الإنشائية، الكهربائية والميكانيكية. بالإضافة إلى إحتوائه لجميع المعلومات التي لا يمكن محاكاتها وتمثيلها من خلال الرسومات، على سبيل المثال، المواد، الاستهلاك الكهربائي، التكلفة. باختصار نمذجة معلومات البناء تتيح للجميع الإطلاع على المبنى واحتياجاتة وتصحيح المشكلات وتحسين جودة البناء قبل البدء في عملية التنفيذ. على سبيل المثال لتطبيق أسلوب نمذجة معلومات البناء في التصميم، فإن عنصر مثل الجدار يمثل حاليا في الرسومات الهندسية بخطين متوازيين بشكل ثنائي الأبعاد. ومن خلال تطبيق أسلوب نمذجة معلومات البناء فإنه يمكن أن يدخل على الجدار جميع المواصفات التي تصف هندسيته كالطول والعرض والارتفاع والمادة ومواد الإنهاء والمصنع والسعر…الخ. وكذا الحال بالنسبة إلى باقي المكونات مثل العناصر الإنشائية والسلالم… الخ. لكل كائن مجموعة من المعايير التي تشكله، وهذه المعايير عبارة عن قائمة من مواصفات يتعين على مستخدم هذا الأسلوب أن يختار منها أو أن يتقيد بقواعدها عند إنشاء كائنات جديدة. يقول إمانيويل كانت أفضل وسيلة للتنبؤ بالمستقبل هي صنعه. فنجاح نمذجة معلومات البناء يكمن في تسهيلها لـعرض المنشآت كما يجب أن ترى في الواقع مما يساعد على ملاحظة الأخطاء الواردة فيها، حيث يقود بناء نموذج ثلاثي الأبعاد للمنشآت إلى عملية تصميم شفافة تزعج قسماً من المحترفين كونها تجعل أي شخص قادرا على كشف أخطائهم. فنحن البشر نرغب دوماً أن نرى ما حولنا بوضوح لكن من ناحية أخرى لا نتمنى هذه القدرة للآخرين. بكلمات أخرى نحن نحاول دوماً إخفاء التفاصيل التي لا ترقى لمستوى المعايير المقبولة ونظهر بوضوح التفاصيل التي نفتخر بها. و بما أن تقنية نمذجة معلومات البناء لا تستطيع إخفاء كثير لذلك سيتطلب الأمر بعض الوقت ليتم قبولها و التعود عليها حيث إن البشر بطبيعتهم يقاومون عادة التغيير وهذه التقنية تحتاج تغيرات كبيرة بل إنها ستؤدي في الواقع إلى تغير في ثقافة الشركات التي التزمت بالمعايير التي تفرضها عملية تبني هذه التقنية المتقدمة. تشير الدراسات إلى أن 12 سنة كانت المدة المطلوبة للتحول من الرسم الهندسي اليدوي إلى الرسم باستخدام الكمبيوتر ومن المتوقع أن تقنية نمذجة معلومات البناء ستستغرق أقل من نصف المدة السابقة. بالإضافة إلى ما سبق إن نسبة الشركات في أمريكا وأوروبا التي استخدمت أسلوب نمذجة معلومات البناء في التصميم قفز من 28% في عام 2007 إلى 49% في 2009 وإلى 71% في 2012 مع ملاحظة أن نسبة المقاولين المستخدمين لتقنية نمذجة معلومات البناء كانت الأعلى بنسبة 74% متفوقة بذلك على المعماريين والمهندسين في عام 2012. إن ما يدعو إلى تبني أي تقنية جديدة هو حتماً تقديمها لحلول أكثر فعالية من سابقاتها، وكذا الحال هنا. فهي فيما لو قورنت بسابقتها قدمت منافع كبيرة في خدمة القطاع الهندسي كتسريع وتيرة الأداء ورفع مستوى الجودة وزيادة الإنتاجية وتخفيض التكلفة وتنسيق عناصر المشروع وحل المشكلات قبل وقوعها وتصنيع وتشكيل عناصر المبنى في مرحلة مبكرة. وكحال أي تقنية جديدة فإنها لا تخلى من العيوب، حيث يشير الاستبيان الذي أجرته مؤسسة بيلدينج سمارت على الشركات والمهندسين في الشرق الأوسط في عام 2010 عن نمذجة معلومات البناء، كشف أن العائق الرئيس في تطبيق أسلوب نمذجة معلومات البناء في التصميم يتمثل بنسبة 51% في «النقص في المستخدمين المهرة» و«عدم توفر التدريب» بنسبة 34%. بالإضافة إلى ما سبق فإن أهم المعوقات تتلخص في ارتفاع تكلفة تأسيس البنية التحتية الخاصة بالتقنية كتوفير الأجهزة وشراء رخص البرامج، الرغبة في التغير من قبل المنشأة والمستخدم، الوقت المطلوب لتنفيذ استراتيجية التغيير والتدريب ووعي سوق العمل بقيمة المنتج. نمذجة معلومات البناء علم تقني يتطور و ينتشر بسرعة كبيرة، تصعب الإحاطة بالممكنات التي يحملها لصناعة التشييد، كما يصعب تقدير اتساع مجالات تطبيقاته و الإمكانات المتقدمة التي ما زالت كامنة فيه عى الرغم من أنه كان و لا يزال ممارسة هندسية استغرق تطورها عدة قرون. تتطلب تقنية نمذجة معلومات البناء مزيداً من التعاون بين ممثلي المشروع من عملاء وملاك ومهندسين ومقاولين لتعميق تطور فكر روح الفريق و تجعل أفراده أكثر ارتياحاً لتبادل المساعدات فيما بينهم و التشارك في المسؤولية عن المنتج النهائي، أعضاء الفريق سيحترمون أكثر النقاط التي يتشاركون بها، كما يحترمون النقاط التي فيها يختلفون، استخدام هذه التقنية سيعزز روح التعاون بدلاً من روح المنافسة وسيكون الجميع فخورين بالنتائج المشتركة لعمل الفريق المصدر: صحيفة الشرق
Shopping Cart
Scroll to Top