أحمد بن خالد النعيم
“ربما لا استطيع البدء بمقدماتي الدراماتية المعتادة كما في مقالاتي السابقة، و التي كانت جزءً متطلباً لتسهيل عملية هضم المواد المُدرجة في قفصها الصدري. قلمي بات عاجزاً لتبسيط المعاني المتقدمة و التي سيتم طرحها هنا. لا أخفيكم بأنكم ستعانون من عُسر في الهضم حين تصلون إلى السطور الاخيرة من هذه المقالة.”
عالمنا أخذٌ في التطور و التقدم ساعةً بساعة، فما كُنّا نجهله و نعتقده خرافة قبل بضع سِنين، نراه اليوم من الأمور البديهية. فكم منكم سيَعجب حين يعلم أن كثيراً من الناس قبل عشرات السنين كانوا يتصورون بأن القمر طبق من المهلبية!!! وفي اكتشاف الكون و مدى اتساعه لا نجد غرابة حين أُذن للرسول -صلى الله عليه و سلّم- في وصف مَلَك واحد، بأن ما بين شَحمة أذنه و عاتقه -أي ما بين المنكب و العنق- مسيرة 700 عام، ففي زمن الصحابة -رضوان الله عليهم- كان هذا الوصف فيه من العظمة و الرهبة الشيء الكثير، بينما في زمننا هذا و مع تقدّم معارفنا باتساع الكون، هان علينا هذا الوصف، فلقد صرنا نتعامل مع السنوات الضوئية و التي هي اعظم بكثير من ذاك الوصف، فنحن نتحدث اليوم عن 14 ألف مليون سنة ضوئية!
سابقاً كان الاعتقاد السائد عند الناس أن كل ما في الكون يتكوّن من جُزيئات متناهية في الصِغر، حتى قام العلماء في الثمانينيات بنفي هذا الاعتقاد حين طرحوا (نظرية الأوتار الفائقة) حيث أن هذه الأوتار رقيقة جداً جداً، ولكن طولها غير متناهٍ. بثّت هذه النظرية الامل للعلماء ليفسروا بها نظرية (الانفجار العظيم Big Bang) و الذي تكوّن الكون من نواتجه. و مع جهود الكثير من العلماء و تواضعهم للتعاون تم تفسيرها، فأرادوا اختبارها على أرض الواقع، فاختبروها على أضعف قوة من القوى الخمس في كوننا و هي قوة الجاذبية، فتيقنوا بأن هذه الأوتار ما هي إلا غشاء عظيم جداً محيط بالكون الذي نقطن في جزء بسيط جداً منه. أي ما نحن إلّا في بالونه دائرية بكل ما لدينا من مجرّات و شموس، و أطلقوا عليها اسم (نظرية الغشاء M Theory).
من قلب جامعة هارفارد، تم قَلب كل الموازين حين درست العالمة ليزا راندال (Lisa Randall) نظرية الغشاء دراسة وافية فأذهل الجميع بنتائج دراستها، حيث أكّدت ان ما وراء غشاء الكون الذي نقطن بداخله كون آخر متوازٍ و مشابه لكوننا تماماً، بل وليس كون واحد فقط بل هي مجموعة غير منتهية من الأكوان المشابهة لكوننا تماماً. و الأغرب من ذلك ما قاله العالم آلن قوث (Alan Guth) بأن كل ما يمكن أن يحصل في كوننا قد يحدث في تلك الأكوان الأخرى و لكن بطريقة مختلفة. فمثلاً بدل أن تكون أنت يا من تقرأ هذه السطور تنتمي لقارة آسيا، فقد تكون في أحد الأكوان من قارة استراليا! و بدل أن تكون ذو 25 ربيعاً قد تكون شيخاً هرماً!
هل تعتقد أن هذه خرافة؟! إذاً تفضل هذا التفسير الصحيح و الذي يفسر قوله تعالى في سورة الطلاق (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن) حيث روى البيهقي في كتاب الأسماء و الصفات هذا الأثر عن ابن عباس فقال: أنا عبدالله الحافظ، حدثنا أحمد بن يعقوب، حدثنا عبيد بن غنام النخعي، أنا علي بن حكيم، حدثنا شريك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضحى، عن ابن عباس، قال (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن) قال: سبع أرضين، في كل أرض نبي كنبيكم، و آدم كآدم، و نوح كنوح، و ابراهيم كإبراهيم، و عيسى كعيسى، وفي رواية وابن عباس كابن عباسكم. وهذا الأثر سنده صحيح.
تأمّل هذا الأثر و ما فسره العلماء و انظر كيف سخّر الله لنا كل ما في هذا الكون. و تأمّل كيف يتقاطع الأثر و تفسير العلماء مع قوله تعالى في سورة الرعد (يمحوا الله ما يشاء و يثبت و عنده أم الكتاب). فلو كنت أمام طريق معين، و تستطيع أن تسلكه بأكثر من طريقة مثلاً و أخترت بإرادتك طريقاً فتأكد بأن كل شيء في هذا الكون سيكون مرتبط لما اخترته، و سيتم إعادة تشكيل جميع الأدوار في هذا الكون وِفقاً لإرادتك و ايضاً لإرادة جميع الناس باستمرار! فهل تستطيع أن تُميز الطريق الذي سيذهب بك إلى جنات الخُلد؟؟؟
كل ما كتبته ما هو إلّا لكسر الجليد لطريقة تفكيرنا بالكون، و لكي نتأمل عظمة و قُدرة الخالق عز و جل. و ما قد تم تأكيده من العلماء بخصوص هذه النظريات حتى لو أثبت الزمن خطأهم في المستقبل ما هو إلّا مقاربات قد تقربنا و لو لخطوة واحدة للحقيقة الكونية…