أحمد بن خالد البودعيج النعيم
وَلَم أَرَ مِثلَ الفَقرِ أَوضَعَ لِلفَتى … وَلَم أَرَ مِثلَ المالِ أَرفَعَ لِلنَذلِ
وَلَم أَرَ عِزّاً لِاِمرِئٍ كَعَشيرَة … وَلَم أَرَ ذُلّاً مِثلَ نَأيٍ عَنِ الأَهلِ
وَلَم أَرَ مِن عُدمٍ أَضَرَّ عَلى الفَتى … إِذا عاشَ بَينَ الناسِ من عدم العَقلِ
محمود الوراق
تناولت كثير من كتب العقائد قصة الإمام الفخر الرازي حين كان يمشي وهو محمول على الأكتاف والرقاب، و حوله الكثير ممن يحتفون به اشد احتفاء. أطلت عجوز وهي تتساءل: من هذا المحمول؟ قالوا لها: هذا شيخ الإسلام الإمام فخر الدين الرازي، فقالت: لماذا تحتفون به وتمجدونه بهذا الشكل الكبير؟ قالوا: لأن هذا الجليل وضع كتاباً فيه 1000 دليل على وجود الله. قالت: حسناً، لو علمتم حقيقته لرجمتموه بالحجارة! قالوا لها: لماذا أيتها العجوز! فقالت بكل ذكاء: لأنه لو لم يكن لهذا الجليل 1000 شكٍّ لما احتاج لـ 1000 دليل!!!
تطايرت عقول كثير ممن قرأ هذه القصة و أصيبوا بالذهول المطلق و راحوا يحيون بديهة تلك العجوز الغامضة و فطنتها بالرغم من هشاشة عظامها، ولو أن الإمام الرازي سمع ما قالت لحضّر 1000 دليل لنقض كلامها على الفور، وهذا إن لم تكن هذه العجوز فعلاً مجرد هرطقة كاتب. فهل يعني يامن تصدقون هذه التفاهات أن 1000 شك وقع للإمام شخصياُ، أوليس من الممكن جداً جداً أنها وقعت لغيره بكل بساطة وهو قام بسردها والرد عليها؛ فالقرآن الكريم يورد شُبهات للملاحدة ويرد عليها، وهذا أمر متعارف عليه جداً. ولكن لم توضع مثل هذه القصص إلا لتعطيل ملكة التفكير والتأمل للشباب المسلم.
كنتيجة حتمية لهذا التعطيل تبرز سطوة الطُغات على الجماعات المذهيبة سواءً السنيّة منها أو الشيعية، أو الجماعات الدينية كاليهودية أو المسيحية، فترى أئمة بلغت بهم القوة للتحكم بدول كُبرى، علماً بأن هذه الدول والجماعات التابعة لها تُعتبر متحضرة ومتعايشة مع التكنولوجيا الحديثة، وبها الكثير من العالِمين والفلاسفة والأطباء والجامعيين. كل ذلك بسبب غياب التفكير والإدمان العقلي الفطري يليه غياب الهوية الإنسانية ويليها التحرك الآلي الغير ذاتي (أي بدون أدنى اختيار من الشخص) وهذا ما يُرى في أرجاء الأوطان العربية و الغربية.
ومن هنا ينمو سؤال من تربة الفضول، كيف تتم عملية السطو هذه؟ و في الحقيقة أن هذه القوة ومصادرها تأتي من عدّة جوانب وضحيتها الكثير من عامة الناس ولو أن العارفين لا يقِلونهم عدداً، فأولى المصادر هو (الموقع) وأعني هنا أصحاب المنابر و الأشخاص وراء التلفاز و الكُتّاب خلف أوراق الجرائد و كل من هم أعلى من موقعك، فهم غالباً مصَدَقون بنسبة كبيرة من قِبل أشباه الآلات. ولكن هذا لا يعني ابداً بأنهم صادقون فقد يكون كل ما يقولون هراءً و افتراءً ودجلاً، وهذا الأمر ينطبق عليّ أنا شخصياً فليس ما أكتبه قرآنا منزلاً. وثاني هذه المصادر هو (الشهرة) وأعني بالذكر هنا الدكتور الجامعي أو البروفيسور أو عضو الجمعية الفلانية أو حتى كل شخصية معروفة في المجتمع أو في مواقع التواصل الاجتماعية. فلابد أن يكون كلامهم صحيحاً في مدارك المهتمين بهم. والأمر الثالث هو (العصبية) فكل من هو على شاكلتي أو كان على لوني أو كان من بلدي فمعايير صِدقة تكون أعلى من غيره. و المصدر الأخير في نظري هو (السائد) أي لو أجمَع كثير من الناس على تصديق أمر ما فسيكون أمراً مصدقاً حتماً للكثير، علما بأنه قبل أعوام عدّة أجمع الناس على أنه من المستحيل على البشر التحليق في السماء واعتقدوا أنها خرافة ومحض هراء، بينما هي الآن حقيقة لا يُختلف عليها، فما هو سائد اليوم هو خرافة الأمس.
ولا أعني هنا التشكيك المُبهم والغير منهجي، بل أدعوا إلى إحكام العقل قبل التصديق المُطلق، فحين يُضبط العقل سترحل كثير من معتقداتنا الشخصية إلى أدراج الرياح.